هل الإنترنت هو أكبر اختراع للإنسانية ؟

نضال قسوم
انتهيت مؤخرا من قراءة كتاب ‘التقدم اللامنتهي”، الذي صدر العام الماضي. يقول مؤلفه، بايرون ريس، إن شبكة الإنترنت سوف تسمح لنا قريبا بالتخلص من آفات الجهل والمرض والفقر والجوع والحرب – كلها ونهائيا!
إنّ هذا ادّعاء مذهل من جانبين : أولا، هل من المعقول الاعتقاد أنّ هذه الآفات، وقد وجدت منذ ظهور الحياة والبشر على الأرض، يمكن أن تختفي قريبا (في غضون قرن أو أقل)، و ثانيا، كيف يمكن للإنترنت أن تكون الأداة الفاعلة في القضاء على الأمراض (كلها) والفقر والحرب وغير ذلك؟ لقد أثارت هذه الأطروحة اهتمامي، وقد جاء الكتاب مدعوما ببعض الشهادات المشجّعة، لذلك اشتريت نسخة منذ بضعة أشهر في أحد المطارات، وقد وجدت مؤخّرا بعض الوقت للانتهاء من قراءته.
لقد قدّم المؤلف على مدى 300 صفحة عرضا مثيرا ومسلّيا لتلك المواضيع ولأطروحته وحججه. وعلى الرغم من تفاؤله المبالغ فيه في بعض الأحيان وتقديمه حججا غير معقولة في بعض الحالات، فإنّ القارئ كثيرا ما يندهش من قدرة الكاتب على إقناعنا بأطروحته، على الأقل فيما يخص القضاء على الجهل والمرض.
فكيف سيساعدنا الإنترنت إذن على القضاء على تلك الآفات الكبرى؟
الفكرة الرئيسية هي أنّ الإنترنت لن تتوقف عند كونها أداة عظيمة لتدفق المعلومات والتواصل بين الناس، بل ستسمح لنا قريبا بتخزين كلّ قطعة صغيرة من المعلومات عنا وعن حياتنا، وأنّ تحليل هذه “البيانات العملاقة” سيمكّن الباحثين من استخراج حلول لكل نوع من المشاكل، مهما كانت صغيرة أو كبيرة.
يذكّرنا الكاتب أنه حتى وقت قريب جدا، كان العديد من الاكتشافات، وبخاصة الطبية منها، قد حصل بشكل غير متوقّع وتمّ الافتراض أنها تصحّ على نطاق واسع. في تلك الحالات الكثيرة، كان الباحثون يلاحظون أن بعض الموادّ تفيد في حالات بعينها، أو ربما كانوا يجرّبون عددا من التطبيقات المختلفة ويلاحظون أن هذه أو تلك تصلح مع بعض المرضى. لكنّ في هذه المنهجية مشكلة مزدوجة : أولا، إن هذا نوع من البحث الأعمى، وهو بالتالي يتطلب وقتا طويلا للوصول إلى حلّ؛ ثانيا، إن مثل تلك العلاجات تنجح في حالات معيّنة فقط وليس بشكل عام، ولا تصلح إلا في بعض الظروف أو عند الجمع بين عوامل محددة. وهنا يأتي دور “البيانات العملاقة” المبنية على تجاربنا الشخصية في العثورعلى مزيد من الحلول وإظهار ما الذي يصلح لأحدهم ومتى، وليس فقط ما يصلح بشكل عام.
يدرك بايرون ريس أنّ هذا السيناريو كله يعتمد على استعدادنا لتقاسم كل ما لدينا من تجارب ومعطيات، وهو ما يسمّيه “الصدى الرقمي لكلّ شخص”، أي معلومات مفصلة عن كلّ منّا يمكن أن تكون مفيدة لأيّ شخص آخر. وإننا بالفعل نقوم بهذا حالياً إلى حدّ ما، مثلا عندما نشتري كتبا عن طريق الإنترنت (من شركة أمازون على سبيل المثال)، أو عندما نقوم بتقييم فنادق أو خدمات أخرى، فتظهر نتائج تقييماتنا ويستفيد منها الزبائن الآخرون لاتخاذ قراراتهم بشأن هذا المنتج أو تلك الخدمة. فماذا لو كنا على استعداد للسماح لهواتفنا المحمولة بتسجيل البيانات تلقائياًعن كلّ تجربة نمرّ بها في الحياة ونشر البيانات عنها على الإنترنت؟
إليكم المثال التالي، لنقل إنني شعرت بألم هذا الصباح، فتناولت دواء ما؛ سيكون من المفيد معرفة ما حدث قبل وبعد ذلك، وربط ذلك بكل الظروف المحيطة بالحالة وبتاريخي الطبي (الشخصي والعائلي) عن طريق الجينوم (الذي يمثّل استعداداتي الجينية) المسجّل سلفا. فإذا عمّمنا هذا المثال على كثير من مجالات الحياة الأخرى، فإننا سنصل إلى فكرة المؤلف عمّا يمكن أن تفعله الإنترنت في مجال الطب وغيره…
وهكذا يرى كاتبنا الإنترنت كأعظم اختراع للإنسان على مدى العصور. إذ خلال عقدين فقط من الزمن، أصبح ضروريا جدا في حياتنا وأعمالنا، حتى أننا لم نعد نتصوّر القيام بأيّ شيء تقريبا دون الاستعانة به. في كتاب يصدر هذا الأسبوع، وهو مجموعة من المقالات بعنوان “ما الذي يجب أن نقلق بشأنه؟” من طرف حوالي مئة من المفكرين الكبار، اعتبر الفيلسوف دانيال دينيت ومؤرخ العلوم والتكنولوجيا جورج دايسون أنّ إمكانية انهيار شبكة الإنترنت هي أكبر قضية مقلقة اليوم…
ليس هناك شك في أنّ الإنترنت هو أحد أكبر الاختراعات البشرية. لكنني لست متأكدا من أنه هو الأعظم. في الحقيقة، من الصعب اختيار اختراع واحد أو اثنين كأعظم ابتكار للإنسانية. فالبعض يرى المضادات الحيوية واللقاحات كأكبر اكتشاف أو اختراع، وذلك لأنها أنقذت عشرات أو ربما مئات الملايين من الأرواح وأدت الى مضاعفة مدة العيش للبشر خلال القرن الماضي.
أمّا أنا فربما سأبدو منحازا بما سأقول، ولكنني أحبّ دوما النظر إلى الأعلى وبمنظور أوسع، حيث تصغر مشاكلنا الدنيوية. إنني أحبّذ النظر إلى الإنسانية والأرض في سياق الكون كله. إذ ماذا يمثّل قرن في “التاريخ الكبير” للحياة والأرض والكون، وهو تاريخ يقاس بمليارات السنين ؟
سيكون تصويتي للتلسكوب، الذي يسمح لنا بالنظر بعيدا في الفضاء وبالتالي إلى الماضي البعيد، مما يعطينا نظرة غير مسبوقة لوجودنا نفسه. أمّا بعد بضعة قرون، عندما نكون قد امتلكنا القدرة على إرسال سفراء إلى الكواكب الموجودة حول نجوم أخرى، فسوف ننظر إلى الصاروخ والمركبة الفضائية على أنهما أعظم أداة اختُرِعت في التاريخ…

ترجمة مقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 13 فبراير 2014:
http://gulfnews.com/opinions/columnists/internet-isn-t-the-best-ever-invention-1.1290073