غوغل صار سيّد العالم

نضال قسّوم

كنت تبنّيت غوغل منذ وقت مبكّر. لقد غيّر غوغل عالم الإنترنت الذي كانت محرّكات البحث فيه حينها (قبل نحو 10 سنوات) أبعد ما تكون عن الكفاءة. (هل تذكرون ” ألتافستا” و ” هوت بوت” و” لايكوس” ؟) لقد كان العثور على ما نحتاجه عملية شاقّة ومملّة، إلى أن أتى غوغل…

بعد ظهوره بوقت قصير، كنت قرأت عن اثنين من طلبة الدكتوراه في جامعة ستانفورد جاءا بطريقة بارعة في الحصول على أدقّ النتائج في البحث على شبكة الإنترنت. وفي الحال، جرّبت ذلك وثبتت صحة الطريقة. وبسرعة قضى غوغل على كلّ منافسيه، إلا “ياهوYahoo ” الذي لا يزال موجودا بشكل صغير جدا، وكذلك “بنغ Bing”، التي هي محاولة ميكروسفت التي جاءت لاحقاً لإيقاف الهيمنة الكلية لغوغل على شبكة الإنترنت.

إضافة لذلك، وجدت غوغل طريقة سهلة وذكية لجني أموال طائلة من عملية البحث. فقد قدّمت AdWords وهي “كلمات إعلانية” والتي تتيح للشركات الإعلان عن “معلومات ذات صلة” جنب نتائج البحث الحقيقية والمجانية. ومن الغريب أنّ كثيراً من الناس ينقرون على تلك “المعلومات” المعلن عنها، منتجين بذلك مردودا ماليّا لكلّ من الشركة المعلِنة وغوغل. ليس هذا فقط، بل وفّر غوغل ما يسمى ب “AdSense” حيث تقدّم فرصة الإعلانات للمواقع الإلكترونية الخاصة، وبالتالي جني المزيد من المال لصالح الجميع بما فيهم غوغل طبعاً.

وهكذا، تدريجياً، أصبح غوغل أكبر شركة في العالم، متجاوزا “أبل” مؤخّراً. لكنّ طموح شركة غوغل كان أكبر من ذلك بكثير، فهي لا تسعى للسيطرة على عالم البيانات فقط، بل تحاول استكشاف مجالات يمكن للبيانات فيها أن تحدث ثورة في حياتنا، وذلك من خلال الجمع بين استثمارات قوية في مجال الأبحاث وبين الإمكانيات التي توفّرها المجاميع الهائلة لبيانات الناس التي بحوزة غوغل.

ينظر الناس لغوغل كمحرك بحث، أولا وقبل كل شيء، وكوسيلة لتوفير بعض المنتجات المفيدة الأخرى، مثل Gmail وخرائط غوغل Google Maps، وغوغل +. في الواقع، توفّر شركة غوغل أكثر من 160 منتجاً (حسب آخر إحصائية)، بما في ذلك نظام التشغيل أندرويد Android الذي يعمل الآن على أكثر من 80 في المئة من الهواتف الذكية في العالم. وتدفع غوغل أيضا متصفّحها “كرومChrome ” بقوة كبيرة وتكسب حصة أكبر وأكبر في سوق المتصفّحات .

ومع كلّ هذا فإنّ غوغل لا تحدّ نفسها بمنتجات شبكة الإنترنت، أو بالحاسوب وتطبيقات الهاتف الذكيّ، بل إنها قد اشترت مؤخّراً شركات عملاقة واستثمرت أموالاً طائلة في علم الروبوت، والذكاء الاصطناعيّ، ونظم تعليمية أعلى، ومجال البحث الطبيّ، على سبيل المثال في المجالات الأبرز. إنّ القاسم المشترك بين كلّ تلك المجالات هو البيانات. فقد أدركت شركة غوغل أنّ ما تحوزه من بيانات، مدعومة بثروة لم يسبق لها مثيل حصّلتها وتستمرّ في تجميعها، يمكنها أن تحوّل مجالات جديدة وبالكامل وتصبح هي الشركة الرائدة فيها بلا منازع.

وهنا تكمن المشكلة! إذ هل ينبغي أن يُسمح لشركة واحدة بالسيطرة على الكم الأكبر من البيانات حول العالم واستخدامه كما تشاء وحصرياً، حتى لو كانت الأهداف والنتائج تبدو جيدة ؟
أنا شخصياً أقدّر وأستخدم وأستفيد منأشياء كثيرة قدّمتها غوغل، ومن ذلك غوغل الباحث Google Scholar، وهو أداة قيّمة للغاية بالنسبة لي، وخرائط غوغل Google Maps وغوغل الأرض Google Earth، مع كل القفزات النوعية التي تحقّقها بانتظام كل تلك التطبيقات الرائعة. ويمكنني أن أذكر عشرات غيرها من مثل تلك الأدوات البارعة بما يجعلني أحيّي غوغل لإنتاجها وتطويرها المستمرّ لهذه الأدوات.

ولكنّي لا أستخدم تطبيق البريد الإلكترونيGmail لغوغل، على وجه الخصوص، لأنه يجمع كلّ معلومة مهما صغرت حول كلّ مستخدم. فغوغل يحفظ نسخة من كل رسالة إلكترونية وكل مرفق ترسلها أو تتلقّاها، ويستخدم ذلك بطرق منوّعة، من دون موافقة أحد. وأدرك أنّ كلاً من بريد ياهو والفيسبوك يجمعان معلومات متعلّقة بي (كلّ رسالة، كلّ “إعجاب Like” ، كلّ موقع أو صفحة أشترك بها)، لكنّي أفضّل أن أرى العديد من الشركات تحوز أجزاء من بيانات حياتي على أن تحوز شركة واحدة فقط كلّ شيء بشكل منفرد!

قبل عقد أو عقدين، قاوم العالم هيمنة أجهزةIBM ، وبالتالي ظهرت العديد من الشركات بمنتجاتها (أجهزة الكمبيوتر المحمولة laptops، والأجهزة اللوحية ” التابلت”tablets ، وغيرها) والتي نعبّر عن امتناننا لها. ومنذ عدة سنوات، ثار العالم ضدّ محاولات مايكروسوفت الاحتكارية للسيطرة على مجال نظم التشغيل والبرمجيات، وهكذا ظهرت “لينوكسLinux ” وولدت أنواع جديدة من البرمجيات، بعضها يستند على شبكة الإنترنت، بمساعدة غوغل…

واليوم، تدور المعركة حول البيانات، وهي أكبر بكثير من المعارك السابقة. هل ينبغي أن نسمح لشركة واحدة بالحصول على جميع المعارف تقريبا (بما في ذلك الكتب التي ألّفت منذ العصور القديمة) عن كلّ شيء وكلّ شخص؟ هل ينبغي على الحكومات فرض قوانين دولية للحدّ من حيازة البيانات واستخدامها؟

إنّ هذا السؤال بحاجة إلى معالجة سريعة. لدى غوغل الكثير من الاستثمارات والبنى التحتية التي ستجعل من المستحيل حتى بالنسبة للحكومات الكبيرة أن تتحدّاها.
إن الإنسانية اليوم على مفترق طرق : فإما أن نسمح لشركة واحدة بأن تصبح بمنزلة “الأخ الأكبر ” و”السيّد الوصيّ”، مع كلّ ما يجلبه ذلك من خير وشرّ، أو أن نختار عالماً أو مجتمعاً مفتوحاً.

ترجمة أ. بسمة ذياب لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الثلاثاء 24 فبراير 2014:
http://gulfnews.com/opinions/columnists/why-google-is-master-of-the-world-1.1295205