استكشاف الفضاء: استكشاف الكون
جون زارنيكي
أحدثَ عصر الفضاء ثورةً في فهمنا للكون، القريب أو البعيد. وقد شهدت الستون عامًا الماضية وفرةً في طرق استكشاف الفضاء من الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض، متحررةً من قيود الغلاف الجوي، التي مكَّنَتنا من الإطلاع على الطيف الكهرومغناطيسي تقريبًا بأكمله، ومعظم المسابير الآلية، والتي مكَّنَتنا من دراسة معظم أجسام المجموعة الشمسية عن قرب.
في كتاب « أحلام العوالم الأخرى»، أخضع كريس إمبي، وهولي هنري 12 بعثة من بعثات الفضاء للفحص الدقيق. ووصفا كيف تم إنجاز البعثات، وشرحاها في سياق تاريخي، بل وثقافي أيضًا.. فالكتاب في نهاية الأمر ثمرة تعاون بين فلكيٍّ، وأديب. وبالنسبة إلى مَنْ لديه الخلفيّة العلمية، فهذا الكتاب يمثِّل منظورًا عامًّا ممتعًا، مقارنةً بالعديد من النصوص. على سبيل المثال.. الفصل الخاص بمُتَجَوِّلي استكشاف المريخ يأتي على ذكر أعمال هـ. ج. ويلز، وأورسون ويلز، وكذلك ـ الأكثر إدهاشًا ـ ت. س. إليوت، وفيرجينيا وولف، وفيتا ساكفيل ويست. ولتسهيل شرح تليسكوب الأشعة تحت الحمراء الفضائي «سبتزر» وبعض اكتشافاته، يستخدم المؤلفان كلاسيكية الخيال العلمي من عام 1870 لجول فيرن «عشرون ألف فرسخ تحت البحر»، وأفلام جيمس كاميرون «أفاتار» (2009)، و»كائنات الأعماق الفضائية» (2005).
إنّ اختيار 12 بعثة فقط يشبه انتقاء فريق كرة القدم المفضَّل لك على الإطلاق، أو اختيار أفضل 10 فنانين. إنه شيء مستحيل. وقائمة إمبي وهنري تشمل أمثلةً معروفة جيدًا خارج المجتمع العلمي، مثل تليسكوب الفضاء «هابل»، والمركبة الفضائية «فوياجر» Voyager، بالإضافة إلى أمثلة أقل شهرةً.. مثل بعثة رسم الخرائط النجميّة «هيباركوس» Hipparcos، ومرصد الأشعة السينية «تشاندرا»Chandra . وأيًّا كان رأيك في اختياراتهما، فجميعها تم تحليلها جيدًا، وتقديمها بشكل علمي وممتع. يُذَكِّرُنا المؤلفان ـ إذا كنا نحتاج إلى ذلك التذكير ـ بأنه بالإضافة إلى كون هذه البعثات إنجازات تِقَنية رائعة، فالعِلْم هو جوهرها. وعندما يطوف بنا المؤلفان في الكون عالي الطاقة (المتمثل في علم فلك الأشعة السينية)، أو الكون البارد ـ الذي كُشِف عنه بواسطة أرصاد الأشعة تحت الحمراء ـ من داخل الشمس إلى الحدود الخارجية للمجموعة الشمسية؛ يتبيّن لنا أنّ إمبي وهنري مرشدان مُتَمَكِّنان. إنهما يشرحان الضرورة العلمية لهذه البعثات بطريقة سهلة وشيقة للمتخصصين وغير المتخصصين.
مع ذلك.. فلَدَيّ مشكلة مع نظرة الكتاب المتضمَّنة عن مركزيّة الولايات المتحدة في العالم. ليس هناك شك في أن البرنامج الفضائي الأمريكي ـ من الناحية العلمية ـ كان القوة المهيمنة. والاتحاد السوفيتي أنجز سبقًا عظيمًا مرات عديدة، مثل إنجازه أول مركبة هبوط قمريّة ناجحة: «لونا 9» في عام 1966، بالإضافة إلى أول صورة للجانب الآخر من القمر، و«فينيرا 7»: أول مركبة هبوط على كوكب الزهرة، لكنّ الإنتاج العلمي للبرنامج السوفيتي، ولاحقًا الروسي ـ مع بعض الاستثناءات الملحوظة ـ فقير نسبيًّا. وفي الآونة الأخيرة، حققت كل من وكالة الفضاء الأوروبية، واليابان، والهند، والصين نجاحات بالغة؛ تشتمل على أول تحليق بالقرب من نواة مذنب ـ نواة مذنب «هالي» ـ بواسطة مركبة الفضاء الأوروبية «جيوتو» عام 1986، والعودة إلى الأرض بجسيمات من الكويكب «إتوكاوا 25143»، أو بواسطة مركبة الفضاء اليابانية «هايابوسا» في عام 2010.
إنّ عدم ذكر بعثة واحدة للاتحاد السوفيتي، أو روسيا، أو اليابان يبدو لي قِصَر نظر. فمن السهل تقديم حجج لصالح مركبتي الهبوط على كوكب الزهرة «فينيرا 13 و14» اللتين ظلَّتا على سطح الكوكب لمدة تصل إلى ساعتين؛ أو لصالح مناطيد «فيجا» الفرانكوسوفيتية التي حلَّقت لمدة تصل إلى يومين في الغلاف الجوي للزُهرة؛ أو لصالح بعثة «هايابوسا».
ذكر إمبي وهنري بالفعل بعثتين بقيادة الاتحاد الأوروبي ضمن اختياراتهما. وهاتان البعثتان هما: «هيباركوس»، التي قامت بين عامي 1989 و1993 بقياس مواقع أكثر من 100000 نجم وأجسام أخرى بدقة غير مسبوقة، ومرصد الشمس والغلاف الشمسي «سوهو»، الذي تم إطلاقه في عام 1995، وما زال يعمل، راصدًا ما تحت وما وراء السطح المرئي للشمس. يشير المؤلفان في البداية إلى «سوهو» على أنه تابع لوكالة «ناسا»، ويكتبان لاحقًا أنه «قد تم تخطيط «سوهو» بواسطة وكالة الفضاء الأوروبية؛ واشترك في التصميم والبناء أربعة عشر بلدًا، وأكثر من ثلاثمئة مهندس»، وتَوَلَّت «ناسا» الإطلاق والعمليات البرية، وأسهمت أوروبا بالمعدات وبتمويل تليسكوب الفضاء «هابل» منذ البداية. والعجيب أنّ هذه الإنجازات ذُكِرَت بشكل عابر.
يشير المؤلفان بالفعل إلى أن علوم الفضاء نشاط دولي حقًّا، وتتم إدارته عمومًا بشكل حر، وسخيّ، وروح تتسم بالاحتواء، بالرغم من الأخطاء العَرَضِيّة. وبالرغم من ذلك.. فـ»القومية الفضائية» الضمنيّة المتغلغلة في كتاب «أحلام العوالم الأخرى» تشوِّه عملًا مفيدًا ومثيرًا للاهتمام.