اختتام أشغال ورشة الرابطة المحمدية للعلماء حول موضوع الإسلام والعلم
اختتمت الأحد 11 ماي 2014، بالرباط أشغال الورشة العلمية التي نظمتها الرابطة المحمدية للعلماء (وحدة “علم وعمران”، ومركز ابن البناء المراكشي للدرراسات والأبحاث في تاريخ العلوم في الإسلام)، بتنسيق مع جامعة باريس المتعددة التخصصات، حول موضوع “الإسلام والعلم”.
وأكد الأستاذ الدكتور، أحمد السنوني، الأمين العام المساعد للرابطة المحمدية للعلماء في كلمته الافتتاحية، أن “الهدف من تنظيم هذا اللقاء هو الإسهام في حل الإشكاليات المتعلقة بعلاقة الإسلام بمختلف العلوم، وتبيان كيف أسهم المسلمون عبر التاريخ في العديد من الاكتشافات العلمية”، مشيرا إلى أن “الرابطة المحمدية للعلماء أبت من خلال تنظيم هذه الورشة العلمية إلا أن تسهم في بسط أهم الإشكاليات المتعلقة بعلاقة الإسلام بالعلم”.
وأضاف الدكتور أحمد السنوني “حاجز الخوف هو الذي يجعل الإنسان يتجنب الغوص في البحث العلمي، واكتشاف الثقافات والعلوم الأخرى”، وأشار إلى أن “من بين شروط تقدم المسلمين هو ضرورة تحررهم من الخوف مع الحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية، والإلمام باللغات الحية للإسهام بشكل فاعل في تاريخ العلوم”، ملفتا النظر إلى أن “هذه الورشة العلمية ستشكل فرصة لوصل الماضي بالحاضر، من خلال تسليط الضوء على أهم الاكتشافات العلمية، التي برز فيها المسلمون واستشراف المستقبل”.
من جهته أكد وزير التربية الوطنية، السيد رشيد بلمختار، أن “إتقان اللغات الحية أضحى اليوم يكتسي ضرورة قصوى، حيث إن تفتح الذهن مرتبط بمعرفة اللغات الأجنبية، للتمكن من الاطلاع على مجمل الاكتشافات العلمية، والمقالات التي يعج بها الفضاء الإلكتروني، والتي يستحيل ترجمتها بشكل كامل، بالنظر للزخم الكبير لهذه المقالات التي تتجاوز أكثر من 300 مليون مقالة يوميا في تخصصات العلوم البحتة.
واستعرض السيد بلمختار في كلمته نماذج من الاكتشافات العلمية في ميادين الطب وهندسة الطيران، وعلوم الفضاء..، مبينا أنه “يحدث أن يقف الإنسان في أحايين كثيرة مشدوها، فينطلق في طرح التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الاكتشافات مجرد صدفة، في حين أنها ناتجة بالأساس عن اكتشافات علمية دقيقة غيرت الكثير من البديهيات”.
وشدد وزير التربية الوطنية على ضرورة إيلاء أهمية كبرى وبذل المزيد من الجهود لاكتشاف العديد من الحقائق العلمية، حتى تطمئن نفس الإنسان، مع ضرورة الربط بين الدين والعلوم الدقيقة لأنهما يكملان بعضهما البعض ولا ينفصلان”، مشيرا إلى أن “العلوم لا تقدم تفسيرا لكل شيء مهما تطورت وتسارعت وثيرتها، الأمر الذي يدفعنا في العديد من الأحيان إلى تفسير بعض المعطيات العلمية الدقيقة”.
وتساءل رشيد بلمختار، الذي أبدى اهتماما كبيرا بأشغال الورشة العلمية، حيث حضر أطوارها وتفاعل مع النقاش، كيف تخلف المسلمون من حيث الاكتشافات العلمية، علما أنهم كانوا في القمة وشهد لهم التاريخ الإسلامي بالعديد من الاكتشافات في مجالات الطب، والهندسة، والنبات، والرياضيات؟
كما تساءل أيضا عن السبب وراء تخاصمنا مع العلم وانغلاقنا على أنفسنا؟، قائلا :” لقد تخاصمنا مع العلم لأننا لم نفتح عقولنا على العلوم الأخرى، التي شهدت تطورات مهمة، ولم نشحذ عزائمنا لتعلم لغات الآخرين، ليتراجع المسلمون وليتخلفوا عن ركب الحضارة”، داعيا الجميع إلى الإقبال على تعلم اللغات الحية كالإنجليزية والإسبانية والصينية، لأن مستقبل البحث العلمي مرتبط بهذه اللغات مع الاهتمام في الآن ذاته باللغة العربية لأنها تربطنا بالعقيدة”.
في هذا الإطار، أكد السيد الوزير أن “المغاربة بإمكانهم النهوض بالعلوم من أجل إيصال حاضرهم بماضيهم الزاهر”، حاثا “إياهم على بإعمال العقل الذي منحه الله لهم”.
بدوره، أبرز السيد جون ستون، رئيس الجامعة المتعددة التخصصات بباريس، أن “الحوار بين الحضارات والثقافات أضحى يكتسي أهمية بالغة، فكلما التأم العلماء المسلمين بنظرائهم الغربيين، والمسيحيين إلا وأضحى الحوار أكثر فعالية وقوة”، مضيفا أن “العاصمة الفرنسية، باريس، من المزمع أن تحتضن في شهر غشت المقبل لقاء يحضره طلبة مسلمون ومسيحيون لتعزيز جسور الحوار بين الثقافتين الإسلامية والغربية”.
من جانبه طرح الدكتور جمال بامي، رئيس وحدة “علم وعمران” بالرابطة المحمدية للعلماء، العديد من التساؤلات التي اعتبرها جوهرية في سياق البحث عن هذه العلاقة الجدلية بين الإسلام والعلم، متسائلا عن أسباب وجود تاريخ علمي عريق من الناحية العلمية عند المسلمين، وواقع علمي راهن يتسم بالتخلف والتقهقر”.
كما تساءل الدكتور جمال بامي عن السبيل إلى معانقة التاريخ التليد للحضارة الإسلامية من جديد، محذرا في الآن ذاته من التطاول على العلوم من طرف أناس غير متخصصين، داعيا في الأخير إلى فتح نقاش يستحضر الجانب العلمي ولا يغيبه بخصوص علاقة الإسلام بالعلم”.
وأجمع المشاركون في هذه الورشة العلمية على ضرورة الاهتمام بالعلوم البحثة للنهوض بأحوال المسلمين، وعلى إعادة هذه العلوم الدقيقة إلى حظيرة الإيمان”، معتبرين أن الإسلام من أهم الديانات السماوية التي دعت إلى العلم والبحث العلمي في الكون، وأن علماء الإسلام استطاعوا تطوير جميع التخصصات الدقيقة يوم عملوا عقولهم في كتاب الله المسطور “القرآن” وكتاب الله المنظور “الكون”، وترجموا العلوم وصححوا بعض أخطائها، ويومها تكلم العالم اللغة العربية.
وخلص المشاركون إلى أن “الإسلام بمبادئه وتقاليده العلمية والفلسفية و”الكلامية”، لديه الكثير للإسهام في المناقشات الدائرة حاليا حول العلاقات التي يجب أن تربط بين العلم الحديث والدين، شريطة أن يكون الأكاديميون والدينيون والمفكرون بشكل عام واعين تماما وعلى اطلاع واسع بالتقدم المحرز في هذه المناقشات، والذي وصل إلى درجة عالية من التخصص والدقة المنهجية، وأن يقوموا بمراجعة موضوعية لمكانة العلم ومفهومه في الثقافة الإسلامية الحالية.
يشار إلى أن هذه الورشة المنعقدة طيلة 3 أيام 09-10-11 ماي 2014، بفندق “كولدن توليب فرح” بالرباط، تعد الأحدث في سلسلة ورش عمل تعليمية سبق أن عقدت في باريس (فرنسا)، وكوالا لامبور)ماليزيا) والجامعية الهاشمية (الأردن)، والجامعة الأمريكية في الشارقة)الإمارات العربية المتحدة) وقسنطينة (الجزائر)، ولندن (المملكة المتحدة(، وأخرى من المقرر أن تعقد مستقبلا في دول أخرى.
وشملت ورشة “الإسلام والعلم”، التي عرفت إقبالا منقطع النظير من قبل الطلبة والباحثين من مختلف التخصصات العلمية، مناقشة المواضيع المتصلة بالإسلام وتاريخ وفلسفة العلم، والإسلام وعلم الكونيات الحديث، علاوة على الإسلام وعلم الأحياء الحديث “نظرية التطور” عند داروين، وعلاقة الإسلام بالعمران والبيئة، وبعلم الفلك التطبيقي.
وشكلت هذه المناسبة، فرصة فريدة للطلاب والباحثين لاستكشاف مجال البحث المعاصر في “العلم والدين”، وذلك من خلال المحاضرات والمناقشات، أغناها جودة العروض التي قدمها مفكرون مرموقون عالميا وخبراء في هذا المجال، فضلا عن أن هذه الورشة العلمية عرفت مشاهدة ومناقشة شريط وثائقي مدته ساعة واحدة حول “العلم والإسلام/، من خلال تقديمه شهادات لأزيد من 20 من المفكرين، من بينهم حائزون على جائزة نوبل، كما تم بالمناسبة منح الطلبة الباحثين الشباب أصحاب الأوراق العلمية المميزة المنتخبة، 10 دقائق لعرض أوراقهم المميزة بالموازاة مع أشغال الورشة العلمية.
إعداد المحجوب داسع