لماذا يريد كل هؤلاء الذهاب إلى المريخ في رحلة بلا عودة؟
عندما أعلن مشروع “المريخ 1″ عن التخطيط لتجنيد متطوعين لرحلة ذهاب بلا عودة للكوكب الأحمر، اعتقد معظم الناس أنها فكرة جنونية، إذ من سيرغب برحلة إلى مكان قاحل وخطر ومملّ.. وبلا فرصة للعودة ؟! المفاجأة.. أن الآلاف تجاوزوا التردد وحسموا أمرهم!
فخلال ساعتين، كان أكثر من ألف شخص قد سجلوا طلباتهم وأرسلوا فيديوهات قصيرة ونبذات عن أنفسهم يشرحون فيها لماذا يجب أن يتم اختيارهم. وخلال أسبوعين كان هناك 78 ألف طلب. ولم تعلن آخر الأرقام بعد، لكن من المؤكد أنها بمئات الآلاف الآن.
لقد قام المشروع بدعوة الناس للتطوّع (مع دفع رسوم للطلب) ليكونوا ضمن موجات البشر الأولى للذهاب إلى المريخ وتأسيس محطة لآخرين ينضمون سنوياً. وخلال عقد من الزمن يقضي المشروع بأن يكون هناك حوالى 50 من المستوطنين المستكشفين للكوكب تحضيرا لإقامة محطة انطلاق للإنسانية نحو بقية المجموعة الشمسية.
وإذ يتيح الموقع الإلكتروني للمشروع الفرصة للزوار للاطلاع على طلبات الاشتراك مصنّفة حسب البلد والعمر والجنس واللغة والشعبية (حيث يمكن للزائر أن يعبر “بالإعجاب” أو بالتصويت للمرّشحين)، قمتُ يوم 31 أيار/ مايو بفحص الطلبات المرسلة من الدول العربية ووجدت (فقط) تسعة طلبات: اثنين من كلّ من العراق والمغرب، وواحد من كلّ من الجزائر ومصر وفلسطين وقطر والسعودية والإمارات العربية.
وكان الطلب القادم من فلسطين لافتاً! “مروة” إمرأة ذات الـ25 عاماً، وهي محجبة وتتقن جيدا التحدّث بالإنجليزية، عبّرت عن قناعتها بأحقّيتها في أن تكون ضمن البرنامج الذي يمثل بالنسبة لها “مشروع تحويل الكوكب الأحمر إلى كوكب أخضر” وإمكانية إلهام الآخرين (هنا على الأرض) لاتّباع أعظم أحلامهم.
ورغم أني لا أريد تثبيط أي أحد عن الترشّح، إذ أنني أشعر بالرهبة تجاه الروح الإنسانية التي تجعل شبابا تنتظرهم حياة طويلة وأحلام وإنجازات مستقبلية، يتطوّعون لهكذا رحلة بلا عودة، لكنني لست متأكداً من أنّ المرّشّحين يدركون تماماً ما سيواجههم.
لدى المريخ غلاف جويّ رقيق، حوالى 0.6 بالمئة من الغلاف الجويّ للأرض، وهو في معظمه مكوّن من ثاني أكسيد الكربون، ولا يحمي من الإشعاع. ومن المثير أن وكالة “ناسا” أعلنت بتاريخ 31 أيار/ مايو تقديرات حول كميات الإشعاع التي يمكن أن تواجه رحلة للمريخ، فقد تبيّن أنّ الروّاد سيتعرّضون لثلث كمية الإشعاع التي لا ينبغي تجاوزها طوال حياة الإنسان. بل ويمكن أن تكون كمية الإشعاع التي يتعرّض لها الروّاد أكبر من ذلك بناءً على النشاط الشمسي. صحيح أن الأغلفة القوية للمركبات يمكنها أن تساعد في الحماية من هذه الأشعة خلال الرحلة، لكنها لا تقدّم الحماية الكاملة، كما أنها سترفع من تكاليف المهمة بشكل كبير.
إضافةً لذلك، فإن جاذبية المريخ ضعيفة وتعادل حوالى ثلث جاذبية الأرض. كما لا يوجد ماء سائل، حتى وإن كان كثير من العلماء يعتقدون بتوفّر كميات منه تحت السطح. أما البرودة ففظيعة: يبلغ متوسط درجة الحرارة 50 درجة مئوية تحت الصفر ونادراً ما ترتفع فوق الصفر في أي مكان على سطح المريخ.
صحيح أنه يمكن للبشر أن يبنوا مستوطنات على المريخ (فتلك هي الخطة)، وأن يتم إنتاج ما يكفي من الهواء بضغط مناسب لتكون الحياة ممكنة، ويمكن للبشر أن ينتجوا الطعام وأن يعيدوا تدوير الماء، لكنّ التحدي الأكبر سيكون ظروف الحياة النفسية والاجتماعية.
إنّ مجموعة صغيرة من الناس يعيشون معاً لسنوات في بيئة مقيّدة سيواجهون تحديات ضخمة. وحتى يحظى المتطوّعون بفرصة للمشاركة، أعلن منظّمو مشروع رحلة المريخ عن وجوب امتلاك المرشّحين لصفات مهمة مثل المرونة والتفكير الخلّاق وحسن التدبير والإبداع والأمانة والثقة والقدرة على إقامة علاقات شخصية صحية وإيجابية. ولهذا السبب وصفت “مروة” نفسها بأنها قوية وذكية وخلاّقة وداعمة جيدة للآخرين، وأنها تعمل بروح الفريق بجدّ واجتهاد. فقد كانت تعلم أن تلك الخصال هي ما يبحث عنها قادة المشروع لدى المرشّحين.
لكن، أيجب أن نتفاجأ لرؤية كلّ أولئك التوّاقين للذهاب في رحلة بلا عودة إلى عالم بارد قاس غير مضياف؟ شبّه البعض هؤلاء المندفعين للرحلة بأولئك المستكشفين الذين ارتادوا “أنتاراكتيكا” (القارة القطبية المتجمدة) لأول مرة، أو أولئك الذين استكشفوا الغرب الأقصى أو داروا حول العالم وهم لا يعلمون ما الذي يمكن أن يواجههم. لكن، في كلّ الأحوال، ما قام به أولئك المستكشفون كان على كوكبنا الأرض، بالإضافة إلى أنه ومن حيث المبدأ كانت هناك إمكانية للعودة. لكن ماذا عن رحلة المريخ؟!
روح الاكتشاف
بالنسبة لمن تقدّموا بطلبات الإنظمام الى مشروع “المريخ 1″ فقد قدّموا أسباباً منوّعة، منها الحصول على فرصة لإنجاز شيء مميّز، شيء لم ينجزوه هنا على الأرض، أو الفرصة لتوسيع آفاق الإنسانية، أو الرغبة في الحصول على أشكال فريدة من الإثارة، أو تحفيز الجيل القادم بهذه الخطوة الجريئة، أو السعي وراء حلم ما… إلخ.
في الصين، ولدى إعلان وسائل الإعلام الرسمية أن المشروع هو بمثابة تحايل وتضليل، قام أكثر من 10 آلاف شخص بتقديم طلبات للاشتراك. وقد فسّر أحد المرشّحين خطوتهم هذه بأحسن ما يكون حينما قال: “نحن نعيش في بلد بلا أحلام وتطلّعات “. وأضاف : “يجب أن يُترك شعبنا حرّاً ليحلم بأمر يبدو مستحيلاً اليوم لكنه مع بذل الجهد سيكون ممكن غداً، لا أن يثبَّط أو يُخوَّف!”…
تلك الروح، حقيقة، هي ما يمثّل ويميّز الجنس البشريّ بشكل فريد. ويجب أن نكون ممتنّين لوجود مخططين وقادة ممن يقدّمون مشاريع تشعل روح الاكتشاف وتدفع الناس بجرأة نحو المجهول !
إنني لا أمتلك تلك الجرأة أو الشجاعة، فأنا قد ربطت نفسي وقيّدتها كثيراً هنا على الأرض، ولهذا فإنني معجبٌ بشدة بأولئك المرشّحين الشجعان، وأشعر بسعادة غامرة حينما أرى أن الروح البشرية ما تزال حية قويّة ومشرقة…
ترجمة أ. بسمة ذياب