ضياء الدين سردار
ضياء الدين سردار _ صفحات من كتاب
Islam’s Quantum Question
د. نضال قسوم
قد يفاجأ ضياء الدين ساردار (1951-) بهذا التوصيف، ولكن من وجهة نظري يمكن اعتباره نسخة العصر الحديث من ابن رشد، وإن كانت نسخة غير تقليدية بالتأكيد. والواقع أن ساردار سيفاجأ بذلك لأنه معجب بالغزاليّ، وهو العملاق حقاً، ولكن الذي تمّ تفنيد طرحه بقوة وبراعة من طرف ابن رشد.
مثل ابن رشد، يُقرأ سردار بشكل جيد ويشاد بتمكنه من المعرفة سواء الخاصة بعصره أو بثقافته الكلاسيكية على حد سواء. وهو يتمتع أيضاً بمهارات تحليلية حاذقة ومواهب مصقولة في الكتابة ، ويستخدم كليهما لتشريح وجهات نظر المدارس الفكرية المختلفة. وعلى عكس ابن رشد، رغم ذلك، وُهب ساردار حسّ الفكاهة.
يُعتبر ضياء الدين نوعاً من معجزة ثقافية معاصرة. في الواقع، نادرا ما يجد المرء شخصاً على دراية بشكل جيد في مثل هذه المجموعة الواسعة من المواضيع، من العلم والتكنولوجيا إلى الفلسفة والدين والنظريات الثقافية لما بعد الحداثة، والفنون والدراسات المستقبلية والسياسات والسياسة وغيرها. وعلاوة على ذلك، ساردار كاتب غزير الإنتاج، وهو الآن في منتصف الخمسينات، فقد نشر أكثر من 40 كتاباً ومقالات لا حصر لها، ناهيك عن عدد من الأفلام الوثائقية. لسوء الحظ، يبدو أن كتاباً واحداً فقط من كتبه (لمسة ميداس: العلوم والقيم والبيئة في الإسلام والغرب) تم ترجمته إلى اللغة العربية، وقد تحقّق ذلك عندما اطلع عليه وليّ العهد الأردني وأعجب به فموّل ترجمته.
ويواصل ساردار كتابة مقالات منتظمة في الصحف البريطانية والصحف الأسبوعية (الأوبزرفر، الإندبندنت، نيو ستيتمنتس): في الماضي، كتب على نطاق واسع (وعمل لفترة) لمجلة العلوم رفيعة المستوى ” نيتشر” وللأسبوعية المرموقة ” نيو ساينتست”. أكثر ما يثير الدهشة فيما يتعلّق بساردار هو حقيقة أنه على قدم المساواة في إتقان التعامل مع عدة ثقافات في آن واحد: المسلمين، والإنجليز، والباكستانييين والجنوب آسيويين. في الواقع، يستطيع استخدام كامل التراث الفكري لهذه الثقافات، فضلا عن الأدوات العديدة التي يمكن أن توضع تحت التصرف (الكتب والصحف والمجلات، البث التلفزيوني والجامعات ومعاهد البحوث.. إلخ)؛ ولكنه ذو رؤية نقدية تجاه كل ذلك في نفس الوقت. إن الانتماء بالتساوي تقريبا إلى عالمين ليس إنجازا سهلا أبداً، وقد وصف ساردار نفسه بأنه “لغز في كلا الميدانين”.
وقد قاد الرجل بالفعل حياة غنية بالإنجازات ولطالما كان مؤثراً جدا. في الواقع، كان قد حقق الكثير من ذلك وهو لا يكاد يبلغ الثلاثين. ولقياس كامل لتنوّع الخبرات والتجارب التي خاضها، ينبغي للمرء أن يقرأ سيرته الذاتية في كتابه (البحث اليائس عن الجنة)، حيث يصف رحلاته الفكرية والروحية منذ سنوات مراهقته في بريطانيا إلى رحلاته في العالم الإسلامي (في السبعينات والثمانينات) في محاولة لمسح استكشافيّ لحالة العلم والتكنولوجيا هناك، إلى السنوات التي قضاها في المملكة العربية السعودية (1975-1980) عندما حاول المساعدة في تحديث بعض جوانب الحياة الإسلامية (الحج، على سبيل المثال)،إلى معاركه الفكرية داخل وبالنيابة عن مدرسته الفكرية “الإجمالية”، إلى محاولاته الفاشلة للمساعدة في جعل ماليزيا “الأندلس الجديدة” ما يجعلنا نلحظ أن (روح ابن رشد تطفو على السطح هنا مرة أخرى).
لقد كان ساردار مهتماً دائماً بالمستقبل، ولا سيما مستقبل المجتمعات الإسلامية. ولهذا السبب كان يدرس الحاضر. وحتى يفهم الحاضر، يحتاج في بعض الأحيان إلى الخوض في الماضي. وهو مقتنع بأنه لا يمكن تحقيق أي تقدم في أيّ مجتمع إذا كان يحاول تطبيق حلول مصطنعة، مثل تلك التي تعتمد على محاكاة الغرب أو تنفيذ تقنياته وحلوله الجاهزة. وعلاوة على ذلك، فإن نقده للعلم الحديث، وللعقلانية المتشددة، ولأساليب الاستعمار (القديم والجديد) لم يكسبه محبّة أنصار الغرب ومدنيته. وبسبب هذا الموقف، فإنه كثيرا ما تمّ اعتباره خطأ على أنه تقليديّ. من ناحية أخرى، انتقد المعسكر التقليدي الجديد( سيّد نصر وأتباعه) قلة استخدام ضياء الدين ساردار للبعد الروحي للإسلام. ومن وجهة نظرهم، يبدو أنه مهتم أساسا بأوجه النقد الأخلاقية والبيئية ومرحلة مابعد الاستعمار للعالم الثالث تجاه العلم، لا بقواعدها الجوهرية الميتافيزيقية.
ترجمة : بسمة ذياب