زمن النساء في التعليم العالي
نضال قسوم
عندما أتحدث إلى الناس خارج العالم العربيّ حول التعليم والعلوم في منطقتنا العربية، فإنني أستمتع بمفاجأتهم بأعداد الإناث الملتحقات بالجامعات الخليجية. لقد أظهرت البيانات الأخيرة الواردة في تقرير “الفجوة العالمية بين الجنسين” لسنة 2012، أنّ النساء يشكّلن 84% و76% من طلبة الجامعات في قطر والإمارات العربية المتحدة، على التوالي، وهي أعلى نسب للطالبات الجامعيات في العالم. كذلك هو الحال تقريبا في باقي دول الخليج، ففي الكويت تبلغ النسبة 69%، والبحرين 64%، وفي الجزائر 60%، وفي المملكة العربية السعودية 53%.
لقد زاد التحاق الإناث بالجامعات في جميع أنحاء العالم بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية، وهنّ الآن يفقن الفتيان عدداً في جامعات 90 دولة من بين 134 دولة توفّرت بياناتها. لكن هناك استثناءات ملحوظة في العالم العربي تشمل مصر والمغرب وسوريا، حيث تشكل النساء “فقط” 48% و 46% و 42% من طلبة الجامعات، على التوالي.
والأكثر إثارة للاهتمام تلك الأرقام المعبّرة عن “الدرجات الجامعية الأولى”، أي أعداد الطلبة الذين يحصلون على الشهادة الجامعية الذين لم ينسحبوا من الدراسة سابقاً.
ففي تقرير مؤشرات العلوم والهندسة للعام 2006 يمكننا ملاحظة أنّ 72% من الخريجين في البحرين (في مجالات العلوم والمجالات العلمية وغير العلمية) من الإناث، وفي المملكة العربية السعودية 67% وفي الجزائر 63%. قارن هذه الأرقام مع ما ذكرته أعلاه، ستلاحظ على الفور أنّ الفتيات العربيات ينجحن أكثر بكثير من الفتيان في الدراسة. ومما يؤكّد هذا أيضا نتائج التقييم الدوليّ PISA (وهو اختبار معياريّ يُعطى للطلبة البالغين من العمر 15 عاماً لتقييم مهاراتهم في القراءة والرياضيات والعلوم)، إذ أشارت نتائج هذا الاختبار إلى أنّه في العالم العربي على وجه الخصوص، تتفوّق الفتيات على الفتيان بشكل ملحوظ.
ولكن هذه ليست نهاية القصة، فبمجرّد الانتقال إلى مستويات جامعية أعلى، إلى درجة الدكتوراة، سنجد أنّ نسب الإناث أصغر بكثير: ففي المملكة العربية السعودية، حيث 67% من الدرجات الجامعية الأولى حازت عليها الإناث، فإنّ نسبة من حصلن على درجة الدكتوراة تبلغ 32% فقط؛ أما في المغرب فكانت النسبة 31% ( مقابل 45% للدرجات الدنيا).
ما الذي يفسّرهذه الأرقام وهل هي مفاجئة ؟
يتفاجأ الجمهور الغربيّ بكل تأكيد، لأنهم يميلون إلى النظر الى العالم العربي، وأكثر من ذلك الى منطقة الخليج، كـ”مجتمع محافظ”، حيث “تُظلم” النساء، أو على الأقلّ “لا يُعطَين حقوقهنّ وفرصهنّ”. وبالفعل، تشكّل تلك الأرقام صدمة للجمهور الغربيّ الذي يحمل نظرة نمطية تجاه المجتمع العربيّ، حين يعرض عليه أنّ الفتيات في الجامعات الخليجية أكثر من الفتيان بأربعة أو خمسة أضعاف.
في الواقع، وعندما ننظر بمزيد من الدقة، يمكن تفسير هذه التوجهات وفهمها بشكل كامل.
أولاً، إن هذا جزء من ظاهرة عالمية: في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مثلا تشكلّ النساء 58% من طلبة الجامعات. ثانيا، هناك ارتباط ملحوظ بين نسب الإناث العالية في التعليم العالي ومستوى المعيشة في بلد معيّن (بقياس الناتج المحلي الإجمالي للفرد). إنّ هذا يفسّر انخفاض أعداد الجامعيّات في بعض البلدان مثل الهند (42%) واليمن (30%) على وجه التحديد. لكنه لا يفسّر حالات مثل اليابان (47%) وتركيّا (44%)، حيث يبدو أن ثمة عوامل اجتماعية أخرى تلبع دورا كبيرا.
ثم إن هناك عوامل أخرى تساهم في هذا التوجّه في الخليج ودول عربية أخرى. واحد منها هو سلوك الفتيان والفتيات في المدرسة الثانوية، حيث أن الفتيات ينضجن بشكل أسرع من الفتيان، إلى جانب المعايير الاجتماعية التي غالبا ما يتم تطبيقها بشكل أكثر صرامة على الفتيات دون الفتيان، ما يجعل جدّية الفتيات في الدراسة أكثر، والإخفاق أقلّ بكثير مما هو لدى الفتيان. وهذا ما يُساعد على قبول الفتيات في الجامعات بشكل أكثر يُسراً.
ثانيا، في منطقتنا العربية، لدى الفتيان خيارات عديدة غير متاحة عموماً للفتيات: كالانضمام إلى الجيش أو الشرطة، وإمكانية الالتحاق بشركات ومشاريع عائلاتهم الخاصة، وإذا ما كانوا جيّدين في مستواهم الدراسيّ بشكل كاف، فبإمكانهم الحصول على منح للدراسة الجامعية في الخارج.
ويمكن أيضا ربط الأرقام المنخفضة لمستويات الدكتوراة بالعوامل الاجتماعية والأسريّة. ففي الواقع، معظم النساء في العالم العربي يتزوّجن وينجبن أطفالاً إذا بلغنا من العمر منتصف العشرينيات، ما يجعل السعي لتحقيق درجة الدكتوراة، والتي تتطلب ساعات طويلة من العمل في الجامعة والمنزل، صعباً جدا.
إنّ بروز المرأة في جامعات الخليج والمنطقة العربية هو تطوّر مرحّبٌ به. وكما قال العديد من المشهورين، “علِّم المرأة وسيتعلّم جيلٌ أو أمّة”.
وكما يطرح عددٌ من الناشطين الاجتماعيين، فإنّ فوائد تعليم الإناث متعددة، واسعة النطاق وطويلة الأمد وممتدة للأمة بأكملها. ولكن في المقابل، فإنّ خسارة الكثير من الفتيان ما بين المدرسة الثانوية والجامعة هو أمرٌ يجب أن نوليه اهتماماً جادّاً أيضاً.
ترجمة أ. وعد العباسي (ومراجعة أ. بسمة ذياب) لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 20 مارس 2014: http://gulfnews.com/opinions/columnists/women-power-in-education-1.1306157