تطوّر البرامج الفضائية العربية
نضال قسوم
في شهر تموز/ يوليو الماضي، أعلنت قيادة الإمارات العربية المتحدّة عن إنشاء وكالة الفضاء وكذلك عن النيّة بإرسال مركبة غير مأهولة إلى المريخ في العام 2021، لتتزامن مع الذكرى الخمسين لتأسيس الدولة. لقد كانت تلك أول مبادرة من قبل دولة عربية لإرسال مركبة فضائية الى كوكب أو قمر أو أيّ جرم سماويّ. فعلى مدى العقود السابقة، انحصرت البرامج الفضائيّة العربيّة في الأقمار الصناعية، بل تحديدا في تشغيلها من الأرض، وإن كانت هناك أحياناً مشاركة في إطلاقها ووضعها في مداراتها المحددة.
ويمكن رسم ملامح البرامج الفضائيّة العربيّة من خلال وكالات الفضاء الوطنية، والتي تمتلكها الآن ستّ دول عربية فقط، هي: الجزائر (حيث تأسّست الوكالة في يناير 2002)، مصر (الهيئة الوطنية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، وتأسست في 1994)، المغرب (المركز الملكي للاستشعار عن بعد، وتأسس في ديسمبر 1989)، السعودية (معهد أبحاث الفضاء)، تونس (المركز الوطني للاستشعار عن بعد، وتأسس في العام 1988)، والإمارات العربية المتحدة (الوكالة التي تأسست مؤخّراً كما ذكر آنفاً). وتقوم وكالات الفضاء في الجزائر ومصر والسعودية والإمارات بتشغيل أقمار صناعية، ولا توجد تقنيات فضائية أخرى تديرها أو تتابعها تلك الوكالات، من قبيل إطلاق الصواريخ أو تدريب روّاد فضاء (للسفر على متن مكوك فضائيّ أو قضاء فترات على المحطة الفضائية الدولية). طبعاً يمكن للبعض أن يذكّر برائدي الفضاء العربيين اللذين ذهبا في رحلة إلى الفضاء، كليهما في أواسط عقد الثمانينيّات، الأول على متن مكوك الفضاء الأمريكي والثاني في مركبة الفضاء الروسية سيوز.
إن الثقافة العربية-الإسلامية تجاه العلم والتقنية تغلّب النظرة النفعية المباشرة، وهو موقف الحكومات والجمهور العام على حد السواء. وهكذا، فقد ركّزت برامج الفضاء العربية على الأقمار الصناعية والاستشعار عن بعد والاتصالات. أما استكشاف الفضاء فنُظر إليه على أنه ترف، إن لم يكن مسعى عديم الجدوى لا يستحقّ ولا يبرّر صرف الأموال الضحمة.
وقد ركّز العالم العربيّ بادئ الأمر (في عقد السبعينيّات) على أقمار الاتصالات، مع أقمار “عربسات” (المنظمة العربية لأقمار الاتصالات)، ثم جاءت فيما بعد أقمار “نايلسات”، حيث كان ينفق على وضع تلك الأقمار في مداراتها وتأجير قنوات التلفزيون والإذاعة. وقد كان إنشاء “عربسات” في العام 1976 من قبل دول الجامعة العربية بهدف خدمة قطاع الاتصالات والمعلومات والثقافة والتعليم. وتمّ وضع أول أقمارها الصناعية في المدار بواسطة الصاروخ “آريان” في العام 1998، ومنذ ذلك الحين تم إطلاق وتشغيل عدة أقمار صناعية في إطار ذلك البرنامج.
إضافة لذلك، تابعت بعض الدول العربية الاهتمام بتكنولوجيا الأقمار الصناعية لأسباب “استراتيجية”، فكان العراق أول بلد عربيّ يطلق قمراً صناعياً (في ديسمبر 1989)، ليصبح بهذا عاشر دولة في العالم تضع قمرا لها في مدار. وفيما بعد، قامت دول عربية أخرى بوضع أقمار لها، مركّزة إلى حدّ كبير على الاستشعار عن بعد، مثل المغرب، الذي أطلق قمر “زرقاء اليمامة” (“Maroc-Tubsat”) في ديسمبر 2001، والجزائر (بقمرها “أل-سات 1″ Alsat-1) الذي طوّر في المملكة المتحدة وأطلق في نوفمبر 2002)، بالإضافة إلى أقمار اتصالات مثل “الثريا” لصالح الإمارات العربية المتحدة (والتي تم تصنيعها من طرف شركة بوينغ بكلفة بليون دولار، وكان أول إطلاق لها في أكتوبر 2000، والثاني في يناير 2003).
وفي العشر سنوات الماضية، ظهر المزيد من الجهود العربية الفردية، وخاصةً من قبل دول الخليج، إذ تمتلك الإمارات العربية المتحدة الآن أربعة أقمار في الفضاء وهي دبي سات-1 و2، وياه-سات 1A، 1B، وقد صُنّعت تقريبا كلها خارج الإمارات وتمّ إطلاقها بصواريخ دول أخرى. ولكن حكومة الإمارات قد أعلنت أن القمر دبي سات-3 سيتم تصنيعه داخل الدولة وستستخدم الخبرات التقنية الوطنية لإتمام معظم العمل. ومن نفل القول أن الجهود العربية المتعلّقة بتصميم الأقمار وبنائها وإطلاقها ووضعها في مداراتها ما تزال حتى الآن ضعيفة جداً، وخاصّةً إذا ما قورنت بالبرنامج الهنديّ على سبيل المثال.
ولهذا، فإن تصريح حكومة الإمارات العربية المتحدة حول المهمة الفضائية التي ستطلق للمريخ كان مفاجأة مفرحة، إذ كسر التركيز التقليديّ على تكنولوجيا الأقمار الصناعية واتجه، من خلال استكشاف الفضاء، إلى تطوير الخبرات والقدرات الوطنية، كما صرّح بذلك رئيس الدولة في البيان الرسميّ الذي أعلن عن المبادرة المذهلة.
وفي مسار آخر في نفس المجال، أعلنت كل من قطر والإمارات العربية المتحدة مؤخّراً عن خطط لتأسيس مدينة فضائية في قطر بكلفة 3.3 بليون دولار، ومركز فضائيّ في أبو ظبي بكلفة 800 مليون دولار، ومشروع محطّة فضائية في أبو ظبي أيضاَ مع شركة Virgin Galactic التي تمتلك تسهيلات في دبي.
لكن هناك نقص رئيسيّ يمكن ملاحظته في برامج الفضاء هذه يتمثّل في الغياب شبه الكامل للتنسيق أو حتى التعاون سواء على المستوى الإقليميّ (ضمن دول الخليج مثلاً)، أو على المستوى العربيّ، مع أنه كانت هناك دعوات لإنشاء وكالة فضاء لعموم الدول العربية، شبيهة بوكالة الفضاء الأوروبية (ESA) التابعة للاتحاد الأوروبيّ، بهدف التنسيق للبرامج الفضائية على مستوى جامعة الدول العربية،. إنّ من شأن تلك الوكالة تنسيق الجهود، وبالتالي اختصار كلفة إطلاق وتشغيل الأقمار الصناعية، وإتاحة الفرصة لكثير من الدول للاستفادة من الصور والبيانات التي توفّرها الأقمار المختلفة، بدلاً من ازدواجية الجهود ومضاعفة الإنفاق من غير داعٍ.
وبالمثل، يمكن ملاحظة الغياب الكامل لأيّ حشد للموارد البشريّة والماديةّ: إذ حسب ما أعلم، لم يتم عقد أي اجتماع لعلماء الفضاء العرب سواء الموجودين في الوطن العربيّ أو خارجه مع المسؤولين العرب، سواء على مستوى الدول العربية منفردة أو مستوى الجامعة العربية.
نظرة مستقبلية
إنّ لبرامج الفضاء (التقنية والاستكشافية) الكثير مما يمكن أن تقدّمه للعالم العربيّ في هذه المرحلة من تطوّره العلميّ والتقنيّ والاقتصاديّ والتعليميّ والثقافيّ. فبرامج الفضاء تلعب دوراً حيوياً في التخطيط المدنيّ (من خلال التصوير والاستشعار عن بعد)، ومراقبة مناطق الصحراء والغابات، والرصد العسكريّ، إلخ. بالإضافة إلى ذلك وعلى مستوى آخر، يمكن لهذه البرامج أن تعطي الأمة مكانة جيوسياسية، وربما الأكثر أهمية من ذلك هو سبلها التعليمية الملهمة لجيل الشباب والناشئة.
لأجل ذلك كله فإنّ عالمنا العربيّ هو أحوج ما يكون لإرساء استراتيجية واضحة ومتعدّدة الجوانب تجاه المشاريع الفضائية برؤيا مستقبلية.
ترجمة أ. بسمة ذياب لمقال نضال قسوم الصادر بموقع Muslim-Science.com:
http://muslim-science.com/arab-space-programs-slowly-coming-age/