أيّ المنظومات التعليمية هي الأفضل حالياً في العالم؟

نضال قسوم

قبل أسابيع قليلة، تم الإعلان عن نتائج برنامج التقييم الدولي “بيزا” (PISA) لعام 2012. و”بيزا” هو اختبار معياريّ يعطى للطلاب البالغين من العمر 15 عاما لتقييم معارفهم ومهاراتهم في الرياضيات والقراءة والعلوم، ويتم عقده كل ثلاث سنوات. وفي الجولة الأخيرة من هذا الامتحان، شارك 500,000 طالب وطالبة في 65 بلدا، بما في ذلك أربعة من الدول العربية (الإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن وتونس) ومعظم دول العالم المتقدمة.
وقد أظهرت نتائج الاختبارعدداً من الاتجاهات المثيرة للاهتمام، التي بدورها شغلت المحللين في محاولة للإجابة على العديد من الأسئلة الأساسية، مثل: هل أثمرت الجهود التي بذلت مؤخرا من قبل بعض البلدان النامية؛ وهل تم تأكيد الاستنتاجات السابقة بشأن نجاح بعض المنظومات التعليمية (خاصة الفنلندي)؛ وهل هناك تأثير لمدة الدراسة على نتائج الاختبارات؛ وهل هناك أي اختلافات ذات دلالة بين الجنسين في الأداء في الرياضيات والعلوم أو القراءة، وما إلى ذلك؟…
في اختبار “بيزا” 2012، كان الأداء المتميّز لطلاب شرق آسيا مذهلا أكثر من أي وقت مضى. أما الطلاب من شنغهاي، الصين (الذين اعتبروا مجموعة منفصلة)، فقد تفوّقوا على الجميع في كلّ مادة بما يعادل ثلاث سنوات مدرسية! ويليهم الطلاب من سنغافورة وهونغ كونغ وتايوان وكوريا وماكاو واليابان.
واستكمالا لقائمة “أعلى عشرة” جاءت ثلاث دول أوروبية: ليشتنشتاين وسويسرا وهولندا. أما بالنسبة لفنلندا، فقد تأكّدت مؤشرات مقلقة سابقة إذ انخفض تراجع ترتيبها من المرتبة الثالثة في عام 2009 إلى المرتبة الثانية عشر في عام 2012. كذلك لوحظ انخفاض شديد في درجات الجولة الأخيرة لدول اسكندنافية أخرى، مثل السويد التي تراجع ترتيبها من21 إلى 38. ومع ذلك، فإنّ بلداناً أخرى أظهرت أنّ جهودها على مدى السنوات العديدة الماضية قد آتت أكلها: بولندا، على وجه الخصوص، انتقلت من المرتبة 17 إلى المرتبة 14، مع تحسّن معدّل نتائج طلابها من 500 نقطة إلى حوالي 520 نقطة.
وفي العالم العربيّ، شهدت نتائج قطر تحسّنا قليلا؛ أما تونس والأردن فقد كانت نتائجهما بدون تغيير جوهريّ؛ ومع أنّ نتائج الإمارات العربية المتحدة لا تزال أفضل بكثير من أشقائها العرب، فقد لوحظ انخفاض درجاتها بمقدار 15 نقطة في المعدّل.
ولكن النقّاد والباحثين سرعان ما أشاروا الى أنّ بعض المنظومات التعليمية تعرف كيف تعدّ الطلبة لمثل هذه الاختبارات، وأنّ هناك فرقاً شاسعاً بين اكتساب المهارات التي تمكّن من تسجيل النقاط بشكل جيد من جهة والحصول على تعليم جيد فعلا من جهة أخرى. وقد لوحظ أيضا أنه على الرغم من تفوّق الطلاب الكوريين في الإجابة على الأسئلة في الرياضيات والعلوم وقراءة الاستيعاب، فإنهم التلاميذ الأقلّ سعادة في المدرسة (في تقييم آخر). وبالعكس، فإن أندونيسيا وبيرو هما في أسفل جدول “بيزا”، لكن لديهم أكبر عدد من الأطفال السعداء في المدارس.
وبطبيعة الحال، فإن الهدف من المنظومة التعليميّة ليس جعل الأطفال سعداء، الأمر الذي يسهل تحقيقه بإعطاء الطلبة قطعا من الشوكولاته والألعاب الترفيهية كلّ يوم، إنما الهدف هو تنميتهم بحيث يصبحوا شبابا أفضل. وبالفعل، لوحظ تحسّن مؤكد في سلوك الطلاب في الغرف الصفية في جميع أنحاء العالم على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وماذا عن الناتج المحلّيّ الإجماليّ (GDP) للفرد الواحد والإنفاق الحكوميّ على التعليم، وكيف يرتبط ذلك بدرجات التحصيل في الاختبار؟ يبدو أن هناك علاقة ارتباط، لكنها ليست قوية جدا: يمكن أن يُعزى حوالى 21 في المائة فقط من الاختلافات في الدرجات إلى الناتج المحلّي الإجماليّ للفرد الواحد، في حين أنّ 30 في المئة من الاختلافات في درجات الرياضيات تم ربطها بنسبة الإنفاق الحكومي، وهو ما يعتبره التقرير “مؤشّرا قويا” للنجاح في وقت لاحق في التعليم الجامعيّ والمهنيّ في مختلف المجالات.
أخيرا، فإنّ التقرير اهتمّ بالفروقات في النتائج بين الجنسين (وهو ما يعتبر قضية حساسة عادةً). وقد أظهرت النتائج تفوّق الفتيان على الفتيات في الرياضيات في 37 بلدا (من أصل 65)، في حين كان أداء الفتيات أفضل فقط في خمسة بلدان. ومع ذلك، فقد ارتأى الخبراء أن هذه الاختلافات صغيرة، بحيث تصل إلى أكثر من نصف سنوياً في ستّ حالات فقط. من ناحية أخرى، تفوّقت الفتيات عموما على الفتيان في قراءة واستيعاب النصوص، واتسعت الفجوة بين الجنسين بالفعل خلال السنوات الأخيرة في 11 بلدا. أما في العلوم، فقد كان هناك فارق قليل بين الجنسين، إلا في اليابان وإسبانيا وكولومبيا، والتي لم تعتد مثل هذا الاختلاف.
أما في معظم دول العالم العربي، فقد تفوّقت الفتيات على الفتيان إلى حدّ كبير في كلّ مادة. ويعزو التقرير أيّ فرق في الأداء بين الجنسين إلى تأثير الحافز (الذاتي أو الإجتماعي) والثقة بالنفس. إذ كلما دُفِعت الفتيات لتحسين أدائهنّ، لأسباب اجتماعية مختلفة، كلما درسن أكثر، وبقدر ما يشعرن بالثقة في قدرتهنّ على التمكّن من مادة ما (الرياضيات على وجه الخصوص)، كلما ارتفعت نتائجهنّ.
وإذن، ما الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من كلّ هذا؟
أولا، يجب علينا أن نكون حريصين على عدم استخلاص استنتاجات متسرعة بناءً على تغيّرات على مدى قصير. ثانيا، نتعلم من ارتفاع أسهم المنظومة الشرق-آسيوية وانخفاض أسهم المنظومة الإسكندنافية أن لا يجب اعتماد أو نسخ أي منظومة تعليمية من هنا أو هناك: ففي إحدى السنوات كانت “المعجزة الفنلندية” وفي أخرى جاءت “الوصفة الصينية”.
والخلاصة أن ليس هناك بديل للعمل الجادّ في المدرسة، من قِبَل كلٍّ من الطلاب والمعلمين. فتحسين الموارد (الكتب المدرسية الجيدة، والمختبرات الأفضل، والعدد الأكبر من أجهزة الحاسوب والبرمجيات) يؤدّي إلى تحصيل تعليميّ أفضل – مع مرور الوقت. لكنّ الأهمّ من ذلك، أننا بحاجة إلى أن ننقل لطلبتنا الرغبة في التعلّم والثقة لتحقيق النجاح.

 ترجمة أ. جولفدان العباسي ومراجعة أ. بسمة ذياب لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 26 ديسمبر 2013: http://gulfnews.com/opinions/columnists/home-truths-about-education-not-cast-in-stone-1.1270808