كيف نجذب الشّباب إلى العلم؟

نضال ڨسوم

غولف نيوز – 2 أكتوبر 2014

الأسبوع الماضي، وبعد ورشة طويلة حول العلم والتعليم والإسلام، سألني صديقي “أطهر أسامة”: “ماذا يجب فعله لجذب الشّباب المسلم الى العلم كخيار مهني لحياتهم؟”. الدكتور أسامة هو خبير في السّياسات العلميّة، ويشرف على مشاريع مهمّة في العالم الإسلامي تهتم بالعلم. وهو مثلي تماما، وصل إلى الاستنتاج أن المشكلة تحتاج إلى معالجة تعليمية تربوية وفي مراحل مبكّرة.

رددتُ على الفور بأنّه في رأيي يجب على العالم الإسلامي تقديم علماء بصفتهم قدوة للشباب، يلهمونهم ويثيرون فيهم الدافع ليكونوا مثلهم.

في الولايات المتّحدة، هناك عدد لايحصى من العلماء اليوم يشيرون إلى كارل سيغن (Carl Sagan) وسلسلته التلفزيونية البليغة “الكون” (في حقبة السبعينيات) بوصفها اللحظة التي قرّروا فيها اتخاذ العلم مسلكا لحياتهم وخاصة منه علم الفلك والاستكشاف الفضائي.

وفي المملكة المتّحدة، هناك العديد من البيولوجيين في وقتنا الراهن الذين يشيرون إلى دايفد أتانبرو (David Attenborough) وبرامجه التلفزيونية كأولى الأسباب لحبّهم للطّبيعة والعلم. وفي فرنسا، كان لعالم المحيطات جاك كوستو ومغامراته الاستكشافية في البحر التأثير ذاته في جيل بأكمله. أما الفلكي هوبر ريفز (Hubert Reeves)، ذو الشعر الأبيض الطّويل والوجه الباسم المريح فلا يزال يبهر المشاهدين بشروحاته المبسّطة والبليغة حول الظّواهر الكونية.

واليوم، ظهر جيل جديد من نوع “سيغن”: ففي المملكة المتّحدة، هناك براين كوكس (Brian Cox) بمظهره المشابه لنجوم الروك، وفي الولايات المتّحدة نجد نيل دوغراس تايسن (Neil deGrasse Tyson) بطريقة مشيه وحديثه المشابهة لمغنّي الراب، والاثنان أستاذان في الفيزياء الفلكيّة وقد حقّقا شهرة واسعة من خلال برامج التلفزيون التي ظهرا فيها.

 إن البلاغة هي القاسم المشترك بين هؤلاء المتحدّثين باسم العلم. فهم في برامجهم يظهرون العلم  كما لو كان شكلاً جديداً من الشّعر والفلسفة الملائمة لهذا العصر. لكنّ هناك جانباً آخر مهماً يظهر بوضوح من خلال أحاديثهما التلفزيونية، إنه الشغف والانبهاراللذان يبديانهما في ما يتصل بالاكتشافات العلمية. وهكذا، يوقن المشاهدون بأن حياة العالم يمكنها أن توفّر قدراً كبيراً من الرضا والمتعة (تشبه كثيرا تلك المتعة التي يعيشها صاحب التجربة الصوفية).

وقد ردّ صديقي د. أسامة بأنه يمكن إثارة اهتمام الأشخاص بهذه الطريقة، لكنهم سيكتشفون بسرعة أن العلماء لا يتقاضون رواتب عالية، بل سرعان ما سيعرف الشاب مدى صعوبة التبحّر في هذا المجال.

إن الشغف والانبهار لا يوصلان المرء دائما إلى وظائف علمية ناجحة، وبالتّأكيد لا يتناسبان مع الرّواتب. طبعا لا يسعني سوى الموافقة على هذه النظرة الواقعية، لكنني أعتقد أن كثيرا من الأشخاص يتطلّعون إلى رواتب معقولة، وليست بالضّرورة عالية جدّا، إذا (وفي نظري هنا المفتاح الحقيقيّ) تم ضمان حياة مهنيّة شيّقة. فإذا استطعنا أن نري الشباب التحدّيات المثيرة التي يواجهها العلماء، وكيف يتعاملون معها، وكيف يتعاونون مع زملائهم عبر العالم  ويسافرون إلى مؤتمرات مهمّة في أماكن مبهرة، ويتحدّثون إلى الصّحافيين والجمهور، إلخ، فإن الكثيرين منهم سيرون في هذا التوجه شيئاً مغرياً.

 لا أريد الكشف عن فكرة د. أسامة في جذب الشباب الى العلم، لأنه قد يكون لا يزال راغباً في متابعتها، رغم انتقادي (اللّطيف) لها، لكن يكفي القول إنّه مهما كان النهج الذي نتخذه في مسألة جذب الشّباب إلى العلم، فيجب أن نبقي في أذهاننا العالم الجديد الذي نعيش فيه: العالم السريع، بمناشطه قصيرة الأمد، المتّرابط رقميا بشكل دائم، وغير ذلك من مواصفات هذا العصر…

وهكذا اقترحت على صديقي شيئين يمكن أو يجب القيام بهما: أ) إبراز عالم ( من أحد الجنسين) شاب ثلاثينيّ يتمتّع بكاريزما في الحديث والتواصل مع الجمهور، بحيث لا يقدّم العلم كتخصص فقط بل كحياة متكاملة؛ ب) إنتاج سلسلة فيديوهات قصيرة (بطول خمس دقائق) حول حياة عدد من العلماء ( مبتدئين و قدامى)، ويظهر كلّ منها جانباً مثيراً من جوانب حياتهم ومهنتهم. ( دعونا نبق في أذهاننا أننا نعيش في عالم اليوتيوب ومحاضرات  TED القصيرة، ويجب أن نأخذ ذلك في الاعتبار لتعميم طرق التواصل المؤثّر مع الجمهور).

لكن بعد هذا الكلام، يجب أن نتأكّد من أنّنا نقدّم العلم بما يمثّله من حمل ثقيل ونعرّف بما يتطلّبه من كمّ كبير من العمل الجادّ، إذ كما أظهرت الدّراسات مؤخرا، فإنّ الطّلبة غالبا ما يعبّرون أنهم ” لم يكونوا مدركين لمدى صعوبة هذا المجال”، ولعلّ حملات “العلم مسلّ” (Science is fun) التي لا يزال يقوم بها مدرّسو العلوم بحسن نيّة لجذب الطلبة قد تكون مضلّلة وذات نتائج عكسيّة.

 ولتغطية الموضوع من كل جوانبه، يجب التنويه إلى أن هناك عوامل أخرى مهمّة قد تكون حاسمة في قرار الشّباب خوض غمار العلم، فدور وتأثير الآباء والمدرّسين في وقت مبكّر من عمر التلاميذ يمكن أن يكون حاسما جدا. إضافة لذلك، هناك البرامج التلفزيونية الجذّابة (مثلا، سلسلةCSI في الولايات المتّحدة أدّت إلى زيادة سريعة وكبيرة في عدد الطّلبة الرّاغبين في مواصلة دراستهم في العلم الجنائي)، وأيضاً الكتب والأفلام الموسّعة للفكر (نعم، ما زال الخيال العلمي قادراُ على الإلهام  وجلب الانتباه)، كلّ ذلك بالفعل له تأثير قويّ على العقول اليافعة.

وحتى نوسّع من وسائل التأثير فإنّ علينا نحن مدرّسي العلوم التعاون مع خبراء الإعلام لابتكار استراتيجيات جديدة لجذب الشّباب إلى العلم. وللقيام بذلك، يجب أن نكون مواكبين لكلّ ما يتطلّبه هذا التّحدّي : على وجه الخصوص، يجب أن نتأكّد باستمرار بأننا نقدّم أحدث ما توصّل إليه العلم  (آخر الكواكب المكتشفة، أحدث تقدّم في مجال الوراثة، وإظهار كيف أن “البيانات الكبيرة” قد فتحت آفاقاً جديدة للعلم والمجتمع، إلخ). كذلك يجب أن تتّبع  استراتيجيتنا التعليميّة أحدث البحوث التربويّة، ويجب أن تكون طرق التواصل المعتمدة دقيقة وقادرة على إحداث التأثير المبتغى.

إنّ حال العلم في أيّ مجتمع يعبّر عمّا سيكون عليه هذا المجتمع بعد بضعة عقود. كان هذا صحيحا في الماضي وهو أصحّ اليوم. وإذن، فلنعدّ أنفسنا للغد بشكل صحيح.

 ترجمة حسام الحسين لمقال نضال قسوم الصادر بجريدة غولف-نيوز يوم الخميس 2 أكتوبر 2014:

http://gulfnews.com/opinions/columnists/how-to-draw-youngsters-to-science-1.1392928